الزمن اللازم للقراءة: 4 دقيقة
أرتال الجيش التركي في ادلب

تثبيت لنقاط المراقبة ام منع لتقدم النظام؟

مقال رأي
ارتال الجيش التركي في إدلب
ارتال من آليات الجيش التركي تعبر إدلب المصور: عبد قنطار

الجيش السوري ما زال يتقدم في مناطق المعارضة في الشمال السوري، والأرتال العسكرية التركية تتوافد بأعداد كبيرة إلى تلك المناطق. فهل هذه الحملة هي اعلان لنهاية اتفاق سوتشي وبداية مرحلة جديدة في الحرب السورية؟

لم يدرك معظم السورين، بكافة انتمائاتهم السياسية والدينية والعرقية، الى يومنا هذا أن إسقاط تركيا للطائرة الروسية سوخوي 24 في فبراير من العام 2015، أن هذه الحادثة كان القشة التي قسمت سوريا جغرافيا وديموغرافيا، وكل ما حدث ويحدث في الشمال السوري منذ عام 2016 والى هذه اللحظة ما هو إلا نتاج لاتفاقيات؛ الخاسر الاكبر فيها هو السوري والرابح الاكبر تركيا وروسيا. فما الذي حدث حتى تصل العلاقات الروسية التركية الى هذه الدرجة من التوتر هذه الأيام؟

 

يبدو المشهد السوري في الأسابيع الاخيرة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فيما يخص الاتفاقيات المبرمة بين اللاعبين الاساسيين في الشمال الغربي السوري، ولربما أن التوترات المتصاعدة بين الروس والأتراك في الاسبوعين الاخيرين هي من مسحت الغبار عن اللوحة التي تم رسمها بين الطرفين لمستقبل منطقة سيطرة المعارضة في الشمال الغربي؛ فإرسال تركيا الألاف من الجنود والدبابات والمدرعات الى ادلب السورية، لم ولن تكون إمدادات لإنشاء نقاط مراقبة جديدة  لوقف اطلاق النار المتفق عليه في مدينة "سوتشي" الروسية، الذي لم يصمد حتى لساعات قليلة، ولا حتى ردة فعل على مقتل ستة جنود أتراك في نقطة مراقبة في ادلب السورية إثر استهدافهم من قبل جيش نظام الاسد، وإنما من أجل تنفيذ جملة من الاتقفاقات الموقعة بين أنقرة وموسكو؛ خاصة وأن أنقرة بدأت تستشعر الخطر جراء تملص روسيا من التزاماتها المتعلقة بكبح جماح الاسد وميليشايته، لتأتي جملة التصريحات والتهديدات التي اطلقتها تركيا على لسان رئيسها اردوغان وورزير دفاعه.

 

تلك التهديدات بدأت طلائعها تظهر في الايام القلية السابقة، اول تلك الطلائع تجلت باعطاء تركيا الضوء الأخضر للفصائل الموالية لها بفتح معركة جانبية في حلب، حيث تمكنت تلك الفصائل من الاستيلاء على جزء كبير من جمعية الزهراء خلال ساعات، وقتل العشرات من قوات النظام وأربعة ضباط من الجيش الروسي والاستيلاء على العديد من الاسلحة؛ قبل أن تتوقف المعركة بأوامر تركية بعد مفاوضات بين الجانب الروسي والتركي.

 

وعلى ما يبدو أن هذا الاتفاق المرضي للطرفين الروسي والتركي بشكل كبير، وبدرجة اقل لنظام الأسد، يفضي الى تسليم المنطقة الممتدة من قلعة المضيق الى حدود الطريقين M4 M5  وضمن مراحل زمنية متتالية. بالمقابل كل ما تبقى من ادلب وريف اللاذقية وريف حلب الغربي ومن يسكنها، من مهجرين وثوار ومجاهدين وراديكاليين ... الخ، تخضع الى ادارة الحكومة التركية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هو الحال في منطقة غصن الزيتون ودرع الفرات.

 

وعلى هذا الاساس وبعد أن بدأ نظام الاسد بقضم المناطق غرب وشمال غرب الطريق الدولي حلب – دمشق دون الالتزام ببنود الاتفاق ومراحله الزمنية، شعر الأتراك بأن الروس قد غدرو بهم وإلتفوا على الالتزامات الموكلة إليهم. على الرغم من أن تركيا إلتزمت وعلى مدى السنوات الماضية بكل الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الروس فيما يخص المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، بما فيها ضمان جبهة الساحل من أي عمل عسكري لفصائل المعارضة والجماعات الجهادية الراديكالية ضد قوات نظام الاسد وحلفائه من الميليشيات.

 

إضافة إلى ذلك، بدأت تركيا تشعر بخطر فقدان ولاء الفصائل المقاتلة وعامة الناس في الشمال السوري، وهي التي بغنى عن خلق أعداء جدد على حدودها الجنوبية، فمن وجهة نظر الأتراك، ليتم تسليم المنطقة المتفق عليها يجب أن يتم طرد الاكراد من الشريط الحدودي الشمالي وانشاء منطقة أمنة لاستيعاب العدد الكبير من المدنيين الذين يعيشون في ادلب السورية ومحيطها والذين يفوق عددهم خمسة ملايين شخص. اضافة الى الشعور التركي بالاهانة؛ بعد التصريحات الامريكية حول علم أمريكا بالكذب والخداع الذي تمارسه روسيا؛ خاصة وأن تركيا تخلت الى حد بعيد عن التحالف مع امريكا مقابل تحالفها مع روسيا على اكثر من صعيد.

 

كل هذه الأسباب، وبدرجة أقل مقتل جنود لها في ادلب، أجبر تركيا على التهديد علانية بالتحرك العسكري غير المحدود في حال لم يتم تنفيذ الاتفاق كما هو مخطط له.

 

وبالعودة الى تنفيذ الخطة المرسومة، فدائما ما كانت روسية تتهم انقرة بعدم وفائها بعهدها فيما يخص فرز الفصائل المقاتلة عن "الإرهابيين"، واقرار تركيا بصعوبة الامر، وطلب المهل الزمنية المتتالية للقيام بما يلزم في هذا الخصوص، مهد الطريق للبحث عن حل يرضي الطرفين، وعليه يبدو ان اتفاق من النوع السري جرى توقيعه بين انقرة وموسكو، يفضي الى تصفية كل من يعترض مخرجات مؤتمري سوتشي واستانا، عبر الزج بهذه العناصر والجماعات في حرب طاحنة تتبع فيها روسيا سياسة الارض المحروقة؛ التي من شأنها التهام أي شيء يقف في طريقها.

 

وعلى هذا الاساس نجد أن الفصائل الموالية لتركيا في محافظة ادلب، وعلى رأسها (فيلق الشام) الذراع العسكري لتنظيم الاخوان المسلمين في سوريا، لم تزج بأكثر من 10% من قوتها في هذه المعارك، وعلى ما يبدو ايضا بأن هيئة تحرير الشام لاتزال تقرأ المشهد من خلال تحراكات فيلق الشام، فاذا شارك الفيلق بعمل عسكري كبير، زجت الهيئة بثقلها في المعركة والعكس صحيح، كما حدث في معركة حلب مثالاً.

 

نهاية الامر نستطيع القول بأنه يمكن لأي شخص أن يفهم ما يجري خلف الكواليس من متابعة تغيرات خارطة السيطرة في المنطقة، فالأيام القيلة القادمة سوف تكشف الى حد كبير الى أي مرحلة من المراحل وصل تنفيذ الاتفاقيات، ومدى الخلاف التركي الروسي؛ والتزام الطرفين بتطبيق كامل بنود الاتفاق وتقاسم المكاسب والمتاعب، وسيعلم المتابع أن بدأ عمل عسكري لفصائل المعارضة على جبهة الساحل هو نهاية المفاوضات بين الطرفين والإعلان رسميا عن دفن مخرجات اساتانا وسوتشي وبداية لمعركة طويلة ستتغير فيها خارطة السيطرة لصالح فصائل المعارضة قبل أن يتم البدء بلقاءات واتفاقيات جديدة سيكون لتركيا فيها حصة الاسد من الكعكة السورية.

عن: 
يوسف أبو خليل